العـباس عليه السلام السقّاء
مرسل: الجمعة ديسمبر 03, 2010 5:27 am
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ورث العباس (عليه السلام) عمل السّقاية من أجداده الطّاهرين وآبائه الكرام ، فقد كانت السّقاية من مختصّات بني هاشم دون سائر قريش ، وذلك لما كان يتّصف به بنو هاشم من النّبل والشّرف ، والسّخاء والكرم ، فقد كانوا هم وحدهم الأسخياء فيما يصرفونه من أموال ، ويبذلونه من طاقات في سبيل تأمين الماء ، وتوفير الطّعام على ضيوف الرّحمان وحجّاج بيت الله الحرام ، وعلى غيرهم من سائر النّاس ، وهذا ممّا اشتهر في النّاس واعترف به حتّى أعداءهم ، فقد قال معاوية بن أبي سفيان العدوّ الّلدود لبني هاشم : إذا لم يكن الهاشمي جواداً لم يشبه أصله .
وقصي بن كلاب ـ كما في التّاريخ ـ كان أوّل من أسّس سقاية الحاجّ ، وقام بإطعامهم ، ثمّ ورثها من بعده ابنه عبد مناف ، ثمّ ابنه هاشم .
وعندما أدركت هاشم الوفاة ، ووافته المنيّة ، كان ابنه عبدالمطّلب بن هاشم صغيراً عند أخواله ، فقام بها عمّه المطّلب بن عبد مناف .
حتّى إذا كبر عبدالمطّلب بن هاشم سلّمها عمّه إليه ، فقام بها عبدالمطّلب أحسن قيام ، ثمّ أتحفه الله بإظهار زمزم له ، وأكرمه بها ، كما كان أكرم بها جدّه إسماعيل بن إبراهيم (عليهما السلام) من ذي قبل .
ولمّا مات عبدالمطّلب ورثه منه أبوطالب ، ثمّ سلّمها أبوطالب لأخيه العباس بن عبدالمطّلب ، كرامة أكرمه بها .
ثمّ إنّ العباس بن عبدالمطّلب سلّمها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتح مكّة ، لكنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ردّها إليه ثانية ، فقد كان من دأب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن تعاليم دينه الحنيف ردّ كلّ مأثرة لا تتنافى مع الإسلام إلى أصحابها ، وإقرارها فيهم وفي أيديهم ، فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخلع أحداً من منصبه ، ولم يدفعه عن حقّه الّذي كان له قبل الإسلام إذا لم يكن ممّا ينافي الإسلام ، ورضي به النّاس .
إستسقاء الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
نعم لقد سقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الماء من أنامله ، عمّه أباطالب (عليه السلام) ومن كان معه في قافلته التجاريّة إلى الشّام حين كانوا في الطّريق ورأوا أنّ البئر الّتي كانوا يستسقون منها قد اُعميت وطُمست .
كما وسقى (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه في مرّات عديدة حين أضرّ بهم العطش ولم يجدوا ماءاً طبيعيّاً يشربوه ، فسقاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الماء عن طريق المعجزة ، وشربوا منه حتّى رووا .
وقد استسقى أبوطالب بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أجدب أهل مكّة وأقحطوا ، فأنزل الله تعالى عليهم الغيث وأخصب ناديهم وباديهم ، حّى قال أبوطالب (عليه السلام) في ذلك :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه***ثمال اليتامى عصمة للأرامل
واستسقى هو (صلى الله عليه وآله وسلم) لأهل المدينة فما استتمّ دعائه حتّى التفّت السّماء بأروقتها ، فجاء أهل البطانة يضجّون يا رسول الله ! الغرق ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : حوالينا لا علينا ، فانجاب السّحاب عن المدينة كالاكليل ، فتبسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضاحكاً حتّى بدت نواجذه وقال : لله درّ أبي طالب لو كان حيّاً لقرّت عيناه .
وهنا قام رجل من كنانة وأنشد :
لك الحمد ، والحمد ممّن شكر***سُقينا بوجه النبيّ المطر إلى أن قال :
وكان كما قاله عمّه***أبوطالب أبيض ذو غرر
به الله يَسْقي صوب الغمام***وهذا العيان لذاك الخبر
واستسقى هو (صلى الله عليه وآله وسلم) لأهل المدينة فما استتمّ دعائه حتّى التفّت السّماء بأروقتها ، فجاء أهل البطانة يضجّون يا رسول الله ! الغرق ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : حوالينا لا علينا ، فانجاب السّحاب عن المدينة كالاكليل ، فتبسّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضاحكاً حتّى بدت نواجذه وقال : لله درّ أبي طالب لو كان حيّاً لقرّت عيناه .
وهنا قام رجل من كنانة وأنشد :
لك الحمد ، والحمد ممّن شكر***سُقينا بوجه النبيّ المطر
إلى أن قال :
وكان كما قاله عمّه***أبوطالب أبيض ذو غرر
به الله يَسْقي صوب الغمام***وهذا العيان لذاك الخبر
الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) يسقي أهل بدر
وهكذا كان الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) فقد استسقى ليلة بدر ـ بعد أن أحجم الجميع عنه ـ وأتى بالماء إلى مخيّم المسلمين ، مع ما كانت عليه اللّيلة من ظلام قاتم ، وبرد شديد ، وكان معسكر المشركين قريباً من البئر بحيث يُخاف الوقوع في أيديهم ، كما أنّ ماء البئر كان ممّا لا تناله اليد ، ولم يكن للبئر دلو يُستقى به ، فنزل الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) في البئر وملأ القربة ماءاً ثمّ خرج منها وتوجّه إلى معسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي الطّريق مرّت به عواصف ثلاث أقعدته عن المشي ، ولمّا سكنت أقبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقصّ عليه خبر العواصف .
فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أمّا العاصفة الأولى فجبرئيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الثّانية فميكائيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وأمّا الثّالثة فإسرافيل في ألف من الملائكة سلّموا عليك ، وكلّهم اُنزلوا مدداً لنا .
ومنه اشتهر قول القائل : بأنّ لعلي (عليه السلام) في ليلة واحدة ثلاثة آلاف منقبة وثلاثة مناقب ، وقال في معناه السيّد الحِمْيَري قصيدة عصماء جاء فيها :
ذاك الّذي سلّم في ليلة***عليه ميكال وجبريلُ
جبريل في ألف وميكال في***ألف ويتلوهم سرافيلُ
ليلة بدر مدداً اُنزلوا***كأنّهم طير أبابيلُ
السقّاء يوم الحديبيّة
وقد استسقى الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) أيضاً يوم الحديبيّة حين نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحابه الجُحفة فلم يجد بها ماءاً ، وذلك بعد ان بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بالروايا سعد بن أبي وقّاص فرجع مع السقاة خالياً وهو يقول : يا رسول الله لم أستطع أن أمضي وقد وقفت قدماي رعباً من القوم .
فبعث (صلى الله عليه وآله وسلم) بالروايا رجلاً آخر فرجع هو الآخر مع السقاة خالياً أيضاً وقال كما قال الأوّل : يا رسول الله ما استطعت أن أمضي رعباً .
فدعى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينئذ الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) وأرسله بالروايا ، فخرج (عليه السلام) بالسقاة ومعهم الروايا وهم لا يشكّون في رجوعه خالياً كما رجع الّذين من قبله ، حتّى إذا ورد الحرار استقى ثمّ أقبل بها مع السّقاة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلمّا دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالماء ورآه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والماء معه كبّر الله ، ودعا له بخير .
إرسال الماء إلى عثمان
كما أنّ التّاريخ أثبت في صفحاته استقاء علي (عليه السلام) الماء وإرساله مع أولاده إلى عثمان وهو في الحصار الّذي أوجده بنفسه على نفسه ، وذلك بعد أنْ صُدّت السيّدة أمّ حبيبة بنت أبي سفيان ومنعت ، وأريق الماءالّذي كانت تحمله إلى عثمان .
كما وسقى جيش معاوية من الفرات لمّا استولى (عليه السلام) على الماء ، وذلك بعد أن منعهم معاوية عنه قائلاً : أقتلوهم عطشاً .
استسقاء سبطي الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
وهكذا كان الإمام الحسن المجتبى والإمام الحسين (عليهما السلام) فقد استسقى بهما لإبانة فضلهما أبوهما الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) حين أضرّ الجدب بأهل الكوفة فما أن أتمّ الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السلام) دعاءهما حتّى هطلت السّماء على أهل الكوفة بالماء وأبدلت جدبهم بالخصب ، وقحطهم بالغيث والبركة .
السقاية لأهل الكوفة
هذا ولم ينس التاريخ سقاية الإمام الحسين (عليه السلام) أهل العراق وذلك بعد مغادرته مكّة والمدينة متّجهاً نحو الكوفة وفي منزل شراف ، حيث لمّا كان وقت السَّحَر أمر فتيانه بأنْ يستقوا من الماء ويكثروا ، ففعلوا ذلك وهم لا يعلمون أنّه لماذا أمرهم (عليه السلام) بالإكثار من الماء ، ثمّ ارتحلوا ، وفي الطّريق إذا بهم قد التقوا بالحرّ وجيشه وكان قد أضرّ بهم العطش ، وأسعر قلوبهم حرّ الشّمس ، وثقل الحديد ، وهنا عرف الفتية الهدف من إكثار الماء عندما قال لهم الإمام الحسين (عليه السلام) : أسقوا القوم وارووهم من الماء ، ورشّفوا الخيل ترشيفاً ، فقام الفتية بسقي القوم حتّى أرووهم من الماء ، ثمّ أقبلوا يملئون القصاع والأواني بالماء ويدنونها من الخيل ، فإذا عبّت فيها ثلاثاً وأكثر ، وارتوت منه ، صبّوا بقيّة الماء عليها ، وكان آخر من جاء من جيش الحرّ رجل يقال له : علي بن الطحّان المحاربي ، فلمّا رأى الإمام الحسين (عليه السلام) ما به وبفرسه من العطش قال له : إنخ الراوية أي : الجمل المحمّل بالماء لكنّه لم يعرف ما يفعل ، فقال له : يا ابن أخي ! إنخ الجمل ، فأناخه ، فقال له : اشرب ، فجعل كلّما شرب سال الماء من السِقاء ، فقال له : أخنث السّقاء أي : أعطفه ، لكنّه
أيضاً لم يدر كيف يفعل ، فقام الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه وخنث له السّقاء وقال له : اشرب واسق فرسك ، فشرب وسقى فرسه أيضاً ورشّفه ترشيفاً .
أيضاً لم يدر كيف يفعل ، فقام الإمام الحسين (عليه السلام) بنفسه وخنث له السّقاء وقال له : اشرب واسق فرسك ، فشرب وسقى فرسه أيضاً ورشّفه ترشيفاً .
سقاية العباس (عليه السلام) في الظّروف الصّعبة
واقتدى أبوالفضل العباس (عليه السلام) بأجداده وآبائه الطّاهرين ، وبأخويه الكريمين ، الإمامين الهمامين : الحسن والحسين (عليهما السلام) في السّقاية ، وانتحل لنفسه وبكلّ اعتزاز وافتخار لقب السقّاء ، وكان يقوم بالسّقاية في كلّ مناسبة وفي كلّ فرصة تتيح له القيام بها ، وخاصّة في كربلاء ، وعلي الأخصّ عندما منع ابن سعد الماء عن الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه ، وحرّمها عليهم بأمر من يزيد وابن زياد ، وكان ذلك في اليوم السّابع من المحرّم الحرام عام واحد وستّين للهجرة ، واستمرّ ذلك التّحريم حتّى مساء يوم عاشوراء .
هذا مع أنّ الفصل الزّماني في تلك السّنة كان هو فصل الصّيف ، وصيف المنطقة الوسطى من العراق يكون حارّاً شديد الحرارة ، وجافّاً كثير الجفاف ، وكان الّذي يشدّد تلك الحرارة ، ويضاعف ما كان موجوداً هنالك من الجفاف ، استعار نار الحرب وتطاير شررها ، والتهام الأسنّة والسّيوف نفوس الأعزّة ، وأرواح الإخوة والأحباب ، فإنّ كلّ ذلك كان ممّا يزيد في التهاب القلوب واستعارها ، ويؤثّر في شدّة عطشها واُوارها .
ومعلوم : أنّ السّقاية في هذه الظّروف الصّعبة والقاسية ، كم يكون لها من أهمّيّة كبيرة ، وعظمة خاصّة ؟ وأنّ السّاقي والحال هذه كم يكون له من مقام رفيع ، ودرجة عالية ؟ وقد نال الحظّ الوافر من هذه السّقاية ، وحصل على السّهم الأكبر من ثوابها وأجرها أبوالفضل العباس (عليه السلام) ، حتّى قيل كما في كتب التاريخ والأخبار مثل تاريخ الخميس ، وسرائر ابن إدريس : أنّ أباالفضل العباس (عليه السلام) لمّا تعهّد سقي موكب كربلاء ، وإغداق الماء عليهم في أيّام محرّم وعشرة عاشوراء ، وخاصّة أيّام تحريم الماءعليهم ومنعه عنهم ، لقّب باللّقب الكبير ، ووسم بالوسام النّبيل ، وسام : «السقّاء» .
السقّاء منذ الأيّام الأولى
وروي : ـ على ما في ثمرات الأعواد ـ أنّ الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) كان ذات يوم جالساً وحوله إبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وريحانتاه ، الإمامان الهمامان : الحسن والحسين (عليهما السلام) ، وإلى جنبهم أبوالفضل العباس (عليه السلام) ، فعطش الإمام الحسين (عليه السلام) ، فعرف ذلك أبوالفضل العباس (عليه السلام) فقام وهو إذ ذلك صبيّ صغير وأقبل إلى الدّار وقال لاُمّه أمّ البنين : يا اُمّاه ! إنّ سيّدي ومولاي الإمام الحسين (عليه السلام)عطشان ، فهل لي إلى إيصال شربة من الماء العذب إليه من سبيل ؟
فقالت له اُمّه أمّ البنين بشغف وشفقة : نعم يا ولدي ، ثمّ قامت مسرعة وأخذت معها قدحاً وملأته بماء عذب ووضعته على رأس ولدها العباس وقالت له وبكلّ رأفة وحنان : إذهب به إلى سيّدك ومولاك الإمام الحسين (عليه السلام) .
فأقبل العباس (عليه السلام) بالماء نحو الإمام الحسين (عليه السلام) والماء يتصبّب من القدح على كتفيه ، فوقع عليه نظر أبيه الإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) ورآه قد حمل قدح الماء على رأسه والماء يتصبّب من القدح على كتفيه ، تذكّر وقعة كربلاء فرقّ له وقال وهو يخاطبه ودموعه تتقاطر على وجنتيه : ولدي عباس ! أنت ساقي عطاشا كربلاء ، فسمّي من ذلك : «السقّاء» .
كتاب الخصائص العباسية